فصل: ذِكْرُ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْآجِنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْآجِنِ:

أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْآجِنِ الَّذِي قَدْ طَالَ مُكْثُهُ فِي الْمَوْضِعِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ حَلَّتْ فِيهِ جَائِزٌ إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَمِمَّنْ كَانَ لَا يَرَى بِالْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْآجِنِ بَأْسًا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمَعْنَى الْآجِنِ الَّذِي يَطُولُ مُكْثُهُ وَرُكُودُهُ بِالْمَكَانِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ تُخَالِطُهُ. وَاحْتَجَّ إِسْحَاقُ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ.
177- قَالَ إِسْحَاقُ: أنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثنا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعِدِينَ فِي أُحُدٍ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَتَى الْمِهْرَاسَ، فَأَتَى بِمَاءٍ فِي دَرِقَتِهِ، فَأَرَادَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ فَوَجَدَ لَهُ رِيحًا فَعَافَهُ فَغَسَلَ بِهِ الدِّمَاءَ الَّتِي فِي وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وَكَانَ الَّذِي دَمَّى وَجْهَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ إِسْحَاقُ: فَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ عَلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ، لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَغْسِلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّمَ بِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْآجِنِ.

.ذِكْرُ الْمَاءِ الْقَلِيلِ يُخَالِطُهُ النَّجَاسَةُ:

أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ أَوِ الْكَثِيرَ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَغَيَّرَتِ النَّجَاسَةُ الْمَاءَ طَعْمًا، أَوْ لَوْنًا، أَوْ رِيحًا أَنَّهُ نَجَسٌ مَا دَامَ كَذَلِكَ، وَلَا يَجْزِي الْوُضُوءُ وَالِاغْتِسَالُ بِهِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ مِثْلُ الرَّجُلِ مِنَ الْبَحْرِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَلَمْ تُغَيِّرْ لَهُ لَوْنًا، وَلَا طَعْمًا، وَلَا رِيحًا أَنَّهُ بِحَالِهِ فِي الطَّهَارَةِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ النَّجَاسَةُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ تَحِلُّ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْ لِلْمَاءِ طَعْمًا، وَلَا لَوْنًا، وَلَا رِيحًا؛ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
178- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْقُلَّتَيْنِ؛ فَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: رَأَيْتُ قِلَالَ هَجَرَ، فَإِذَا الْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ تَكُونَ الْقُلَّةَ قِرْبَتَيْنِ وَنِصْفًا، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ خَمْسَ قِرَبٍ لَمْ يَحْمِلْ نَجِسًا فِي جَرٍّ كَانَ أَوْ غَيْرِهِ، وَقِرَبُ الْحِجَازِ كِبَارٌ، وَلَا يَكُونُ الْمَاءُ الَّذِي لَا يَحْمِلُ النَّجَاسَةَ إِلَّا بِقِرَبٍ كِبَارٍ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقُلَّةَ قِرْبَتَانِ، وَالْآخَرُ: أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ خَمْسُ قِرَبٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِأَيِّ قِرَبٍ.
وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ، قَالَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، قَالَ: أَمَّا الَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ وَهُمَا نَحْوُ سِتِّ قِرَبٍ؛ لِأَنَّ الْقُلَّةَ نَحْوُ الْخَابِيَةِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ خَمْسُ قِرَبٍ لَيْسَ بِأَكْبَرِ الْقِرَبِ وَلَا بِأَصْغَرِهَا. هَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ.
وَفِيهِ قَوْلٌ سَادِسٌ: وَهُوَ أَنَّهَا الْحُبَابُ، وَهِيَ قِلَالُ هَجَرَ مَعْرُوفَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ، وَسَمِعْنَا ذَلِكَ فِي أَشْعَارِهِمْ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِذَلِكَ حَدًّا. هَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ.
وَفِيهِ قَوْلٌ سَابِعٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقُلَّةَ الْجَرَّةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيعٌ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ حَدًّا يُوقَفُ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَامِنٌ: وَهُوَ أَنَّ الْقُلَّةَ قَدْ يُقَالُ لِلْكُوزِ حَكَى قَبِيصَةُ أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ صَلَّى خَلْفَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَخَذَ نَعْلَهُ وَقُلَّةً مَعَهُ ثُمَّ خَرَجَ بِهَا.
وَفِيهِ قَوْلٌ تَاسِعٌ، قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ، قَالَ: وَالْقُلَّةُ الَّتِي جُعِلَتْ مِقْدَارًا بَيْنَ مَا يَنْجُسُ مِنَ الْمَاءِ، وَمَا لَا يَنْجُسُ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ اسْتَقَلَّ فُلَانٌ بِحَمْلِهِ وَأَقَلَّهُ إِذَا أَطَاقَهُ وَحَمَلَهُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْكِيزَانُ قِلَالًا؛ لِأَنَّهَا تُقَلُّ بِالْأَيْدِي وَتُحْمَلُ فَيُشْرَبُ فِيهَا، قَالَ: وَالْقُلَّةُ تَقَعُ عَلَى الْكُوزِ الصَّغِيرِ، وَالْجَرَّةِ اللَّطِيفَةِ وَالْعَظِيمَةِ، وَالْجَرُّ اللَّطِيفُ إِذَا كَانَ الْقَوِيُّ مِنَ الرِّجَالِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقِلُّهُ قَالَ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ: بحر الخفيف:
فَظَلِلْنَا بِنِعْمَةٍ وَاتَّكَأْنَا ** وَشَرِبْنَا الْحَلَالَ مِنْ قُلَلِهِ

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الْأَوَائِلِ مِمَّنْ قَالَ: بِالتَّحْدِيدِ فِي الْمَاءِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ: أَحَدُهَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً فَلَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ.
179- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا عَبْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً فَلَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ. وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ. رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ مَسْرُوقٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ كُرٍّ، فَإِنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ. وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ حَدِيثَ ابْنِ سِيرِينَ هَذَا، قَالَ: وَبِهِ يَأْخُذُ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ ذَنُوبَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ.
180- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو، ثنا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ زَمْعَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ ذَنُوبَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلٌ رَابِعٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ إِذَا كَانَ أَرْبَعِينَ دَلْوًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ.
181- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا أَبُو الْوَلِيدِ، ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ دَلْوًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ خِلَافَ كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَقَالَتْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ: إِذَا كَانَ فِي الْمَوْضِعِ إِذَا حُرِّكَ مِنْهُ جَانِبٌ اضْطَرَبَ الْمَاءُ، وَخَلَصَ اضْطَرَابُهُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ نَجَاسَةٍ نُجِّسَ لِوُقُوعِهَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ تَتَبَيَّنِ النَّجَاسَةُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي غَدِيرٍ وَاسِعٍ أَوْ مَصْنَعَةٍ وَاسِعَةٍ وَعَظِيمَةٍ إِذَا حُرِّكَ طَرْفُهُ لَمْ يَتَحَرَّكِ الطَّرْفُ الْآخَرُ، وَلَمْ يَخْلُصْ بَعْضُ الْمَاءِ إِلَى بَعْضٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ. حُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: قَلِيلُ الْمَاءِ وَكَثِيرُهُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ بِطَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، هَذَا قَوْلُ يَحْيَى الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ. وَقَدْ رُوِّينَا أَخْبَارًا عَنِ الْأَوَائِلِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمَاءُ لَا يَنْجَسُ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. وَرُوِّينَا عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْمَاءُ لَا يُجْنِبُ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ السُّورَةَ فِي الْحَوْضِ يَصْدُرُ عَنْهَا الْإِبِلُ، وَيَرِدُهَا السِّبَاعُ وَيَلِغُ فِيهَا الْكِلَابُ وَيَشْرَبُ مِنْهَا الْحِمَارُ هَلْ نَتَطَهَّرُ مِنْهُ قَالَ: لَا يُحَرِّمُ الْمَاءَ شَيْءٌ.
182- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا حَجَّاجٌ، ثنا حَمَّادٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَتَطَهَّرُ مِنْ مَاءِ الْحَمَّامِ، فَإِنَّهُ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْجُنُبُ وَغَيْرُ الطَّاهِرِ؟ فَقَالَ: إِنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجَسُ.
183- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، ثنا أَبُو غَسَّانَ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الزِّبْرِقَانِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَرَجْنَا أَوْ كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ فَانْتَهَيْنَا إِلَى غَدِيرٍ تُطْرَحُ فِيهِ الْمَيْتَةُ وَتَغْتَسِلُ فِيهِ الْحَائِضُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: تَوَضَّئُوا مِنْهُ، فَإِنَّ الْمَاءَ لَا يَخْبُثُ.
184- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، ثنا أَبُو عُبَيْدٍ، ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ شِهَابٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: السُّورَةُ فِي الْحَوْضِ تَصْدُرَ عَنْهَا الْإِبِلُ، وَتَرِدُهَا السِّبَاعُ وَتَلِغُ فِيهَا الْكِلَابُ، وَيَشْرَبُ مِنْهَا الْحِمَارُ، قَالَ: لَا يُحَرِّمُ الْمَاءَ شَيْءٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضٌ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ بِحُجَجٍ سِتٍّ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] قَالَ: فَالطَّهَارَةُ عَلَى ظَاهِرِ كِتَابِ اللهِ بِكُلِّ مَاءٍ إِلَّا مَاءً مَنَعَ مِنْهُ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إِجْمَاعٌ، وَالْمَاءُ الَّذِي مَنَعَ الْإِجْمَاعَ مِنَ الطَّهَارَةِ بِهِ الْمَاءُ الَّذِي يَغْلُبُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ بِلَوْنٍ، أَوْ طَعْمٍ، أَوْ رِيحٍ. وَمِنْهَا الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِّ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ.
185- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، ثنا يَحْيَى.
186- وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا يَحْيَى يَعْنِي الْأَنْصَارِيَّ، أَنَّ أَنَسًا أَخْبَرَهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ فَبَالَ فِيهِ فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ، فَكَفَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فَرَغَ الْأَعْرَابِيُّ، ثُمَّ أَمَرَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
187- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحَمَّتْ مِنْ جَنَابَةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِمُّ مِنْ فَضْلِهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي اغْتَسَلْتُ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ.
188- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمَخْزُومِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُول اللهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ تُطْرَحُ فِيهَا لُحُومُ الْكِلَابِ وَالْحُيَّضِ؟ فَقَالَ: «الْمَاءُ طَهُورٌ، لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» فَهَذَا جَوَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَاءِ جَوَابٌ عَامٌّ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَاءٍ، وَإِنْ قَلَّ. وَمِنْهَا أَنَّهُمْ مَجْمُوعُونَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ طَاهِرٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فِيهِ النَّجَاسَةُ، وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ إِذَا حَلَّتْ فِيهِ وَلَمْ تُغَيِّرِ الْمَاءَ لَوْنًا، وَلَا طَعْمًا، وَلَا رِيحًا أَنَّهُ نَجَسٌ، فَالْمَاءُ الْمَحْكُومُ لَهُ بِالطَّهَارَةِ طَاهِرٌ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ بِخَبَرٍ أَوْ إِجْمَاعٍ. وَمِنْهَا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الثَّوْبَ النَّجِسَ إِذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ إِذَا اخْتَلَطَ بِالنَّجَاسَةِ وَهُوَ غَالِبٌ عَلَيْهَا نَجَسًا مَا طَهُرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ثَوْبٌ أَبَدًا، إِلَّا أَنْ يُغْسَلَ فِي قَصْعَةٍ عَظِيمَةٍ أَوْ مَاءٍ جَارٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الثَّوْبَ إِذَا طُرِحَ فِي إِنَاءٍ وَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ اخْتَلَفَتِ النَّجَاسَةُ الَّتِي فِي الثَّوْبِ بِالْمَاءِ الْمَصْبُوبُ فِي الْإِنَاءِ، فَإِذَا عُصِرَ بَقِيَ الثَّوْبُ نَجِسًا عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ إِنْ طُرِحَ الثَّوْبُ النَّجَسُ الَّذِي هَذَا سَبِيلُهُ فِي الْإِنَاءِ ثَانِيًا اخْتَلَطَ الْمَاءُ الْمَصْبُوبُ فِي الْإِنَاءِ بِالنَّجَاسَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ ثَالِثًا أَوْ رَابِعًا، وَلَا يَطْهُرُ ثَوْبٌ فِي قَوْلِ مَنْ نَجَّسَ الْمَاءَ الْقَلِيلَ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَبَدًا، وَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الثَّوْبَ يَطْهُرُ بِالْغَسْلَةِ الثَّالِثَةِ، إِذًا لَمْ يَبْقَ فِيهِ أَثَرٌ لَمْ يُذْهِبْهُ الْمَاءُ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا غَلَبَ عَلَى النَّجَاسَةِ كَانَ طَاهِرًا بِكُلِّ حَالٍ. وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْقَائِلِينَ بِالْقُلَّتَيْنِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
189- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنا عَاصِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: كُنَّا فِي بُسْتَانٍ لَهُ أَوْ لِعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَامَ إِلَى نَهَرِ الْبُسْتَانِ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَفِيهِ جِلْدُ بَعِيرٍ، فَقُلْتُ: أَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَفِيهِ جِلْدُ هَذَا الْبَعِيرِ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حُجَّةُ مَنْ قَالَ بِالْقُلَّتَيْنِ، وَقَدْ دَفَعَ بَعضُ أَصْحَابِنَا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ وَاقِعًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»؛ لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» يَأْتِي عَلَى مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، وَعَلَى مَا فَوْقَهُمَا، وَخُصُوصِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُلَّتَيْنِ يَنْفِي النَّجَاسَةَ عَنْهُمَا، وَإِثْبَاتُ الطَّهَارَةِ لَهُمَا زِيَادَةٌ زَادَهَا، الْقُلَّتَيْنِ، وَمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، وَمَا فَوْقَ الْقُلَّتَيْنِ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» قَالَ: وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] فَأَمَرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَوَاتُ دَاخِلَةٌ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] ثُمَّ خَصَّ الْوُسْطَى بِالْأَمْرِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، فَقَالَ: {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فَلَمْ تَكُنْ خُصُوصِيَّةُ الْوُسْطَى بِالْأَمْرِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا مُخْرِجًا سَائِرَ الصَّلَوَاتِ مِنَ الْأَمْرِ الْعَامِّ الَّذِي أَمَرَ فِيهِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَقَعَ عَلَى جَمِيعِ الْمِيَاهِ، كَمَا كَانَ قَوْلُهُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] وَاقِعًا عَلَى جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ. ثُمَّ قَالَ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا، فَكَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ زِيَادَةً زَادَهَا الْقُلَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُخْرِجًا لِمَا دُونَهَا مَعَ أَنَّ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ يَدْفَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَيَقُولُ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِعُمُومِ الْأَخْبَارِ عَلَى كُلِّ قُلَّةٍ صَغُرَتْ أَوْ كَبِرَتْ، فَأَمَّا تَحْدِيدُ مَنْ حَدَّدَ الْقُلَّتَيْنِ بِخَمْسِ قِرَبٍ، أَوْ بِأَرْبَعِ قِرَبٍ وَشَيْءٍ، أَوْ بِكِبَارِ الْقِرَبِ أَوْ بِأَوْسَاطِهَا، أَوْ سِتِّ قِرَبٍ، أَوْ قَوْلِ مَنْ قَالَهَا: أَنَّهَا الْحِبَابُ، أَوْ أَنَّهَا الْجَرَّةُ، أَوْ مَا يُقِلُّهُ الْمَرْءُ مِنَ الْأَرْضِ، فَتِلْكَ تَحْدِيدَاتٌ، وَاسْتِحْسَانَاتٌ مِنْ قَائِلِهَا، لَا يَرْجِعُ الْقَائِلُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى حُجَّةٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ مُرْسَلٌ لَا يَثْبُتُ.
190- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا، وَلَا بَأْسًا». قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: زَعَمُوا أَنَّهَا قِلَالُ هَجَرَ. فَالْحَدِيثُ فِي نَفْسِهِ مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَقَدْ فَصَلَ ابْنُ جُرَيْجٍ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ بِرَأْيِهِ حَيْثُ قَالَ: زَعَمُوا، وَقَوْلُهُ: زَعَمُوا حِكَايَةً عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ، وَلَوْ سَمَّاهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ عَصِرَهِ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً، وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ ثِقَةً. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّهَا قِلَالُ هَجَرَ، قَالَ الَّذِي أَخْبَرَنِي عَنِ الْقِلَالِ: فَرَأَيْتُ قِلَالَ هَجَرَ بَعْدُ فَأَظُنُّ كُلَّ قُلَّةٍ تَأْخُذُ قِرْبَتَيْنِ. فَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ الَّذِيَ أَخْبَرَهُ ظَنَّ أَنَّ كُلَّ قُلَّةٍ تَأْخُذُ قِرْبَتَيْنِ فَالظَّنُّ غَيْرُ وَاجِبٍ قَبُولُهُ، وَقَوْلُهُ: قِرْبَتَيْنِ لَيْسَ بِلَازِمٍ الْأَخْذُ بِهِ، وَنَقْلُ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُجْعَلَ قِرْبَتَيْنِ وَنِصْفٍ كُلٌّ قُلَّةٍ غَيْرُ جَائِزٍ، وَحُكِيَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَجْعَلَ بِكِبَارِ الْقِرَبِ أَوْ بِصِغَارِهَا أَوْ بِأَوْسَاطِهَا أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِثْبَاتُ أَنْ تُجْعَلَ الْقُلَّةُ قَرْبَتَيْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَالشَّيْءُ الَّذِي شَكَّ فِيهِ ابْنُ جُرَيْجٍ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلَوْ ثَبَتَ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُحْتَاطَ، فَيُجْعَلُ نِصْفًا، ثُمَّ يُفْرَضُ عَلَى النَّاسِ مَا سُمِّيَ احْتِيَاطًا، وَالْقُلَلُ مُحِيطَةٌ بِهَذَا التَّحْدِيدِ. وَلُزُومُ ظَاهِرِ كِتَابِ اللهِ وَالْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِبُ، وَتَرْكُ الِانْتِقَالِ إِلَى الْقَوْلِ بِالْمَرَاسِيلِ، وَدَفْعُ الْقَوْمِ بِعُمُومِ الْأَخْبَارِ. وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي هَذَا الْبَابِ كَلَامًا كَثِيرًا، وَمُعَارَضَاتٍ وَحُجَجًا، وَهُوَ مُثْبَتٌ فِي الْكِتَابِ الَّذِي اخْتَصَرْتُ مِنْهُ هَذَا الْكِتَابَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ مَا حَضَرْنَا مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي الْمَاءِ بِالتَّحْدِيدِ. وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، حَكَى عَبْدُ الْمَلِكِ مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي الْمَاءِ، فَقَالَ: رَأَيْتُهُ مِنْ مَالِكٍ كَأَنَّمَا هُوَ أَمْرٌ يُتَبَيَّنُ، وَيَفْتِي بِهِ النَّاسُ بَعْدَ مَا يَقَعُ فَيَجِدُهُ مَعْرُوفًا بِعَيْنِهِ، فَأَمَّا أَنْ يُوضَعَ فِيهِ أَصْلٌ وَيُفْتِي بِهِ النَّاسُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ لِيُكْتَفَى بِهِ فِيمَا يَحْدُثُ وَيَكُونُ، فَلَمْ أَرَ مَالِكًا يُرِيدُهُ، وَلَا يُرَخِّصُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ، وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَغْتَسِلُ بِالْمَاءِ قَدْ وَقَعَتْ فِيهِ الْمَيْتَةُ، قَالَ: أَرَى أَنْ يَغْتَسِلَ، وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ، فَلَا يُعِيدُ صَلَاةً صَلَّاهَا إِلَّا فِي الْوَقْتِ.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ فِي رَجُلٍ تَوَضَّأَ مِنْ قُلَّةٍ فِيهَا فَارَةٌ مَيْتَةٌ، لَا يَعْلَمُ بِهَا، ثُمَّ عَلِمَ، وَلَمْ يَجِدْ رَائِحَةً، وَلَا طَعْمًا، قَالَ: مَضَتْ صَلَاتُهُ.
وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ فِي الْجِيفَةِ تَقَعُ فِي الْمَاءِ، قَالَ: مَا لَمْ يُغَيِّرْ رِيحًا، وَلَا طَعْمًا يَتَوَضَّأُ بِهِ. وَحَكَى أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ نَجِدْ فِي الْمَاءِ أَوْ لَمْ نَرَ فِي الْمَاءِ إِلَّا الرُّخْصَةَ.